الجمعة، 24 أبريل 2020

ملاقاة الأحباب (1)

 
ملاقاة الأحباب (1)
من أجل إسلام السلام


    أثناء مؤتمر من أجل إسلام حر ومسؤول، الذي انعقد في مدينة جنيف السويسرية، وجرت فعالياته يومي 9 و 10 أكتوبر 2010، خص الشيخ خالد بن تونس الوفد القادم من الجزائر، بترحيب خاص، وخاصة أنه كان قد غاب مدة عن البلد. كما حضر اللقاء ضيوف من المغرب وأوروبا وحتى مصر. جرى اللقاء يوم قبل انطلاقة المؤتمر، وبعد استقباله للضيوف والاجتماع بهم، قال:

    مرحبا بكم في جنيف، وفي سويسرا. إنها أول أرض أوروبية تطأها الطريق(1)، لأولاد الوطن الأوروبيين، وهنا، نحن نتواجد في قلب أوروبا، وسويسرا تقع في وسط أوروبا الغربية. لمعرفة تاريخ هذه البلاد، فقد كان أهلها يخوضون حرب أهلية دينية، فهم كلهم مسيحيين، ولكنهم ينتمون إلى طائفتي البروتستانت والكاثوليك، وكان يوجد سيد، يسمى نيكولا دو فلي، لم يكن أميرا، ولا من النبلاء ولا من أصحاب النفوذ، ولا حتى قسيسا، كان إنسانا عاديا، يهتم بالفلاحة، وإنما في آخر حياته، عندما رأى ذلك الصدع الذي نخر أمته وشعبه، رحل ومكث في خلوة، واعتزل في جبال الألب. في سنة 1481، بعدما عجزوا عن التوصل إلى حل، ولم يتمكنوا من التخلص من ذلك الصدع، فكان هذا يذبح هذا، وذاك يقتل ذاك. مشوا إليه، وهو الذي جمع الرأي لهذه سويسرا، ورسم لهم أساس بنيان الدولة السويسرية. قال لهم إذا أردتم الخير، اجعلوا من هذا البلد بلدا محايدا، لا يتدخل في أمور أو شؤون أي دولة، هنا في أوروبا، وكانت هذه النقطة الأولى. وفي النقطة الثانية، وصى بالعدل فيما بينكم. المساواة في الحقوق لكل المواطنين السويسريين، ثم اجعلوا السلام هو الثروة، وبه، يكون لهذا البلد الازدهار. عملوا برأيه. وسويسرا من ذلك الوقت إلى يومنا هذا، لم تدخل أو خاضت حرب مع أي دولة. هذه هي النقطة الأولى. والثانية، أنها رجعت بلدا آمنا، سياسيا، ثم لما رأى العالم، أن دولة صغيرة في وسط أوروبا، استقر فيها السلام وفيها الأمان، أموال العالم كله جابوها، وحطت في سويسرا. كان حقيقة، أن السلام هو الثروة التي لا تزال هذا البلاد عائشة بها، إلى هذا يومنا هذا.

    ومن أجل ذلك، فإن هذا النداء وهذا الصوت وهذه الرسالة، من هنا في أوروبا، أردنا أن تبدأ، من هذا البلد، الذي هو الأول الذي استقبلت فيه الطريق. وكان فيه الغرس، لهذا المسلك، المشرب الروحي الاسلامي، هنا في أوروبا. هذا لتعرفوا لماذا كانت سويسرا، ولم تكن فرنسا أو انجلترا. استوطنت الطريق فرنسا في العشرينات. ظهر بها الفقراء، وكانت الزاوية تقع في نهج سان جيرمان، وإنها أول زاوية افتتحت. ولكن أحببنا أن يعقد هنا في هذا البلد، وفي جنيف، فمقاطعة جنيف في حد ذاتها جمهورية، وبها يوجد أيضا ممثلية الأمم المتحدة، وغيرها من ممثليات المؤسسات الدولية، تتواجد في جنيف. ثم تأتي النقطة الثانية، لماذا جنيف؟ كنا أشرنا أنها قلب أوروبا، وهذا النداء وهذه الرسالة لماذا خرجت من هنا، من هذا القلب الأوروبي؟ بحول الله وقوته، وعقد العزم والتزين بالإيمان، لكل من حضر معنا هذا اللقاء، فإن هذا الصوت إن شاء الله سيكون بداية، وهذا أملنا، يكون بداية امتداد لما قمنا به في احتفال الذكرى المئوية، لأنه منهج واحد، وروحانية واحدة، وأمل واحد. لأن الإنسانية في المستقبل، إذا لم تلبي هذا النداء، إذا سمح الله، قسرا ستدخل مرحلة صراع دموي، لا حدود له. حتى نعرف أن هذا اللقاء، لابد له أن يعطي ثمارا، لابد عليه أن يحرك روحا وأمالا، في قلوب الجميع، مسلمين وغير مسلمين، والإسلام في أوروبا، سيكون إن شاء الله، وبحول الله، شبه أساس بنيان لجميع الدول، التي تتواجد بها الآن جالية إسلامية. ونحن نرى، أن كل هذه الأمور التي أشرت إليها، هي أمور حساسة، والدليل هو أن الصحافة هنا في سويسرا معتنية بالأمر، وقامت بحملة غريبة، لأن في ظرف أسبوع.. في الأسبوع الماضي كنا متواجدين هنا، وبعون الله سبحانه وتعالى، بعدما كانت كل الأبواب منغلقة، انفتحت، وانفتحت رغم أنف كل واحد، لأن حتى هم، لا يعرفون كيف. وقعت لهم دهشة. هل هذا إسلام جديد؟ وهذا الإسلام أين كان؟ حتى يومنا هذا..، يجيئ ويُنظم هذا الحفل في بلد مثل جنيف، بهذا الصمت، وبمسائل عادية. الكثير مستغرب. فلأنه توجد قدرة وإرادة ونظام يرعى هذا المؤتمر.

    أنتم الذين جئتم من الجزائر، والذين جاءوا من المغرب ومن أوروبا، وكذلك إخوة من مصر، الله يجازيكم عنا خيرا، لتدعيمكم هذا المشروع، وبذلتم مجهودا وقدرة لكي تحضروا، لكي تكونوا من الشاهدين، على العمل الذي قائمة به الطريق، من أجل الخير والمحبة، وتغيير الرؤية عن الإسلام، لأن العالم بدون إسلام يشكل خطرا، والإسلام بدون الغير خطر أيضا. ولذلك يلزمنا مهما أمكن، أن نجتهد لكي نبلغ هذه الرسالة إلى ضمائر وقلوب المخلوقات. حتى في قضية القلوب، فالكثير منها اليوم منغلقة، إن لم نقل، على الأقل هي الضمائر. ثم حسب رأيي، إن الشيء الذي ننظر إليه، هو أن هذه الإنسانية التي نعرفها، هي نفسها حاملة بإنسانية أخرى، ستنشئ ربما في السنين المقبلة، والإنسانية التي ستنشأ، تُعرف بنسوج صلة تربطها ببعضها البعض، صلة غريبة عما كنا نألفه، وإن الذي يسبق بأن يبلغها (لأنه يوجد سباق)، يبلغ هذه الأمانة، وبها يكون إما الفرج (في حال إن سبقت)، وإلا والعياذ بالله، يكون الدمار والهلاك. ورسالة الطريق ورسالة أهل الله، لابد أن تسبق هي، لأنها هي التي تداوي، وتُعرّف حقيقة التوحيد. بدون توحيد لا وجود للإنسانية. ولكن إن الذي يحمل رسالة التوحيد، لابد أن يرافقها بالعطف والرحمة والعلم والمعرفة والتقى والمحبة. أصبح العالم في شبكات النت، التي نعيش فيها، أصبح قرية صغيرة. وهذا المؤتمر، قبل دخولكم إلى الجزائر، سيكون العالم كله قد شاهده، واطلع ما فيه. جعلت سرعة الاتصالات الكلمة تخرج من فم الانسان أو الفكرة تخرج من فم الانسان، إن كانت صالحة تظهر، وإن كانت قبيحة تظهر. الشيء الذي أطلبه منكم، أن تدعون الله سبحانه وتعالى، بقلوبكم وأرواحكم وأشباحكم، بالتوفيق والحفظ والإرادة، وأن يقبلنا ويقبل عملنا، ويحفظنا فيما بقي. هذه بعض الكلمات كنت أريد أن أقولها لكم، حتى تكونوا على يقين، وتكونوا على شعور بهذا الحفل المبارك، هذه المبادرة، التي هي صائرة في ترك أثر في التاريخ، بحول الله وقوته. مرحبا بكم والله يحفظكم ويبارك فيكم...
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   الطريق: نقصد بالطريق، كما قال الشيخ الحاج المهدي، الإسلام، كما تعبر عن الطريقة الصوفية. دخلت الطريقة العلاوية دولة سويسرا في الثلاثينات من القرن الماضي، والتف حولها الأوروبيين السويسريين، عكس فرنسا، التي عرفت الطريقة منذ عشرينات القرن الماضي، إلا أن روادها كانوا المهاجرين المغاربيين، الذين استقدمتهم الظروف المعيشية إلى فرنسا، وكانوا يشكلون خاصة طبقة العمال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق