الأحد، 26 أبريل 2020

ملاقاة الأحباب 3

ملاقاة الأحباب (3)
من أجل إسلام السلام



     في لقاءه بالحضور، أثناء مؤتمر من أجل إسلام حر ومسؤول، الذي انعقد في مدينة جنيف السويسرية، وجرت فعالياته يومي 9 و 10 أكتوبر 2010، خص الشيخ خالد بن تونس تلك الوفود باستقبال خاص، قبل بداية مجريات المؤتمر.. وفيما يلي ردود الشيخ على الأسئلة المطروحة، الواضحة، البينة.


   وفي استفسار حول الفكرة الرائجة حول الإنتقاء في البشر، ومحاولة الإبقاء إلا على النخبة، وكذا مسألة القوة التي تحاول بعض الدول اتخاذها، قال: وإذا رجعنا إلى القوة، فيقول الشيخ الحاج عدة: فبالضعف نلنا جميع القوى... عندما أقمنا هذا الملتقى في جنيف، فأي قوة نملك. وأوضح في كلامه مبيّنا، عندما استفسره السائل عن سرعة قوة الرسالة لاستباق هؤلاء الناس: إذا قمنا بما قاموا، سنقع في نفس الفخ الذي وقعوا فيه. جاءت قوتنا بكيفية أخرى. عندنا إيمان، وعندنا يقين. "كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين". سورة التكاثر، الآيات من 3 إلى 7. ذلك هو السر الذي لا نزال نسير به، وذلك هو السر الذي يوصل إلى الإستجابة لهذه الدعوة، ورغم ذلك، كل هؤلاء الذين تتكلم عنهم (مجيبا السائل) واجههم الحائط، ويلاقيهم الحائط. أقول لكم إن الذي يقومون به هو الإعداد للحرب، لا يوجد شيء آخر، وهؤلاء الذين تكلمتَ عنهم، أصحاب الإنتقاء، كلما توقفت حرب يحضّرون ويجهّزون حربا أخرى. لا تنسوا فقط في هذا الشهر، بيعت أسلحة بقيمة 123 مليار دولار، لدول الخليج والعربية السعودية، وهل الشرق الأوسط اليوم بحاجة إلى السلاح أو إلى السلام، وهل هو بحاجة إلى مزيد من السلاح أو إلى نزع الأسلحة، حتى يكون السلام. فمرادهم يكمن في تسيير الدول العربية، من الذين يقولون أنهم سنيين، ليقوموا بضرب إيران، الذي يقول أنه شيعي، وشبّكوا هذا بذاك، عوض أن نخرج.. وبذلك تبقى مشكلة الشرق الأوسط  دائما متقدة، جهنم وجحيم، ولا ترى حلا. كان يوجد في الشرق الأوسط مشكلة بعمر 60 سنة، وهي قضية إسرائيل وفلسطين، ولماذا لحد الآن لم يوجد لها صلح، أليس باستطاعة الدول العظمى أن تفرض على هذا وذاك، ويبرم الصلح؟ إنهم قادرون بطبيعة الحال. وبل تفاقمت الأمور، فنشبت حرب أفغانستان، واندلعت الحرب في العراق. تذكروا الملتقى الذي أقمناه في اليونيسكو، أقمناه في يناير 2001(1)، والشيء الذي قلناه، والشيء الذي درسناه، وبحضور شخصيات، كان من ضمنهم الأمير الحسن ابن طلال، الذي هو عم ملك الأردن الحالي، شاركت شخصيات عظمى، وزراء كبار أمثال بيار جوكس، الذي كان وزيرا، والسيد أتالي، وجاء السيد رحال، ممثلا عن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وألقى خطبة الرئيس، فالشيء الذي قلناه، وأقيم حوله ذلك الملتقى، من أجل إيجاد حلولا، حتى يأخذ الغربيون والمسلمون بعين الإعتبار، الأمر مأخذ الجد، وينتبهون لتلك الخطة التي ينتهجونها، فإنها تأخذنا إلى الهلاك، ويَحذَرون الناس التي تسعى عن طريق الإرهاب وعن طريق الإسلام العنفي والجهادي. وثمانية أشهر فيما بعد ماذا وقع؟ أحداث 11 سبتمبر، انفجرت المسألة، ومُست أكبر دولة في العالم في عقر دارها. تحرك العالم كله، وصاح بصوت واحد إنه الإرهاب. نهضوا، وعوض أن يداووا المرض، زدنا في المرض. بدل أن ينتبه العالم وينهض نتيجة أحداث 11 سبتمبر ويداوي المرض، زاد الزيت على النار. انفجرت الأمور في أفغانستان، واندلعت حرب العراق، وعلى أي أساس اندلعت، لم يُقدم دليل، وبأي حجة كانت؟ بُنِيَ على الكذب، وملف حرب العراق فارغ، وكل المخلوقات تعرف أنه فارغ. و سواء تعلق الأمر بالمسلمين وغير المسلمين، قد بلغ بنا الأمر اليوم، و أصبحنا على شفا حفرة. إن هذا، إما سيفضي إلى صراع دموي لا نهاية له، أو أننا نجتمع ونفكر معا، أنت تأخذ مني وأنا آخذ منك، ويتم التبادل والتعارف والتآخي، ويكون ذلك لوجه الإنسانية، لا لوجه دين، ولا لوجه طائفة أو سياسة، والمستقبل هو الذي سينصفنا. يعيش العالم اليوم في أزمة عظمى، أزمة متعددة المناحي، أزمة سياسية واقتصادية، وأزمة مالية خاصة، وكذا أزمة بيئية، ولا أحد يملك الحل، ولكن لكل واحد نصيب من الحلول، ولا أحد يملك جميع الحلول بيده. قلت لكم نحن بصدد الخروج من عالم الذي عشنا فيه ونعرفه، ودخول عالم آخر. وملتقى جنيف سيسطره ويكتبه التاريخ، ويذكر بأن في جنيف، طلع صوت ونادى الإنسانية بالإستقامة، وبالأخوة والمحبة والتبادل. إذا لَبّت، قل الحمد لله، سيكون الخير، ويعم الجميع، وإذا لم تلبي، سواء كان المسلمين أو غير المسلمين، فالأمور ستأخذ...

    يا عبدي أنت تريد وأنا أريد، وما يكون إلا ما أريد. لأن "لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا". سورة النبأ، الآية 38. كمن يقول كلمة وقلبه غير مقتنع بها. وكان هذا ردا على تعقيب، أورد صاحبه فيه بيان إحدى الشخصيات الحاكمة العربية، ينص على قبول جميع أطباق الإنسانية. وأضاف الشيخ: قد يكون عليه ضغوطات. ليست المسألة مسألة قول، وإنما هي مسألة العمل به. يكون قلبي متشبع، وضميري مقتنع بذلك، بدون تلاعب، ولا يكون لدي مقصود مادي وسياسي، بعد القول الذي أورده. إنه لوجه الله، لوجه بني الإنسان. هذا رجل سياسي ربما مورست عليه ضغوطات، أو أنها سوى مسألة ديبلوماسية.

    عندما قيل له، أن إحدى الشخصيات المرموقة الفرنسية نوّهت بك، عندما زارت الجزائر، وقالت في فرنسا لا أحد يمكنه أن يكلمنا عن الإسلام، سوى الشيخ بن تونس، كان رده: إن الشيء الذي أقوله، أقوله، لا من طرف الشيخ بن تونس، ولا من طرف جهة أخرى. هذا واجب علينا، واعدنا عليه. هذه أمانة خلوها لنا أهل الله، ولابد لها أن تبرز، سواء مع الشيخ بن تونس، أو مع زيد أو مع عمرو، مهما كان الإسم، فليس هذا المقصود. إنما المقصود هو أن تبرز للوجود، ويعترف بها الخاص والعام. الشيخ بن تونس، هذا ليس رزقه، يتصرف به. و"ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، هكذا يقول القرآن الكريم في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". إذا تم في الشيخ بن تونس، اعرف أن الشيخ بن تونس محمدي، ومحمد في كل عصر يتكلم، وما نحن إلا آلة. إذا كنا محمديين، ومن كان محمديا كان ربانيا، ومن كان ربانيا كان بطبيعة الحال إنساني، ومن الذي خلق هؤلاء الناس، وهاته الخلائق، ومن أراد أن يكون العالم على الصيغة التي هو عليها اليوم، إنها إرادة إلهية، لا غير. عند المؤمن. ولذا، فنحن نرى أن هذا الداء هو دواء للإنسانية إذا شعرت، حيث أن الرحمة الإلهية سبقت الغضب الإلهي، حتى ولو أن الإنسانية ثارت وابتعدت عن الحق، فالله سبحانه وتعالى يردها عن طريق الإمتحان. في الحقيقة، إذا قارنتَ الإنسان بالحيوان، فالحيوان لا يقتل إلا إذا جاع، ومن أجل أن يأكل، وإذا شبع لا يتعدى أبدا على بعضه البعض، أما الإنسان فلا. تخرج منه المصائب التي لا توجد عند الحيوانات. هذه غريزة في الإنسان. منذ أن بدأت الإنسانية، اصتحبتها صور القتل والتشريد والعذاب، فطائفة تقتل طائفة، وقوم يسبي قوم. ولكن ما الذي دعاهم إلى ذلك الشيء؟ وقعوا بين أيدي أناس تمكنوا من أن يجعلوا منهم آلة فكرية وعملية وأخلاقية، تضر الغير. وجدوا أناس، وجدوا أفكار. النازية لم تخرج من العدم، النازية كانت أفكار وتوافق عليها الجميع. الحركات الإسلامية تواجدت في الدول الإسلامية، في الجزائر وغيرها. عشناها. وهذا الشيء غير بعيد عنا. قاموا بالذي قاموا به، باسم الإسلام، باسم دين رباني، ارْجِع دين الرحمة إلى دين عنف ودين إكراه. كيف تم ذلك؟ إن الانسان ضعيف. إذا كان أنت عندك قوة أو بلاغة في الكلام، أو قوة فكرية أو مادية، ستجذب الناس إليك، باستعمال أساليب بسيكولوجية وغيرها، وعندما ننظر إلى الحركات الاسلامية، نتساءل هل هي حملت من الاسلام؟ طبعا لا. كيف كان منطلق الثورة، بدأت من فرنسا، وهي أول ثورة في العالم، يوم ثار الشعب الفرنسي على المملكة الفرنسية، ثم الماركسية تبنتها، والشيوعية قامت بنشرها في العالم، والتي أصبحت عند الإيرانيين ثورة إسلامية. أما الإسلاميون، أخذوا نفس النموذج، ونفس القياس من الحركات النظامية الثورية الأوروبية، وصبغوها بالأخضر، وأصبحت إسلامية، وإذا نظرنا بداخلها، فما الذي نراه، هل تجد فيها شيء من روح إسلامية أو تربية إسلامية أو أخلاق محمدية. كان تشي غيفارا(2) يضع قبعة ويدخن سيغارا، وملتحي ويرتدي لباس عسكري.  لم يتبدل سوى أنه، قد أعفيت اللحية ولُبس القميص، وما كان سيغارا أصبح سِواكا. هذا الذي تبدل. أما من ناحية العمل والتنظيم كله قادم من الثورات الأوروبية. لم نأخذ من منهاج الأمير عبد القادر في الجهاد، ولا من منهاج صلاح الدين الأيوبي، لم يكن من ذاك القياس، كان نهجه مقتبسا من النظام الثوري الأوروبي الملحِد.

    سيدي هل يشعر هؤلاء بما يقومون به، أيحسبون أنها الطريق الصحيح، أو أنهم غارقين في الجهل؟ قال: إنهم يسمونها الصحوة الإسلامية، والانسان الذي يكون صاحيا، عقله وأفكاره وحركته، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية، تكون مضبوطة، تعرف بدايتها ووسطها، ومآلها في النهاية، وعنده مقصود. أما هذه الحركات عندما تنظر إلى مقصدها فما هو؟ نشعل الثورة، وبعد الثورة، ما الذي نقوم به؟ ها قد أقمنا دولة إسلامية، وبعد ذلك؟ ما الذي تفعله دولة إسلامية في بلد الإسلام؟ كيف تأمر بالجهاد في دول تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. يقولون التكفير والهجرة(3)، كفّروا كل الأمة. رجعت الأمة الإسلامية إلى الجاهلية. كيف يكون الجهاد في بلاد الإسلام؟ إذا جاهدت المسلمين فلن يبقى للأمر أي معنى. شُرع الجهاد ليدافع الإنسان عن نفسه، أما الجهاد الحقيقي فهو الدعوة إلى الله. والأسلوب الذي دعا إليه الله سبحانه وتعالى هو "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". سورة النحل، الآية 125. كان الخطيب يوم الجمعة، عندما يصعد المنبر يجاهد في الله، وجهاده هو توعية الأمة حتى تعود الأمة تنفع وتكرم بعضها بعضا، ويسود العدل بين الحاكم والمحكوم. جاء الجهاد من الجهد، وهو المبذول لتُغير به من حالك، وتغير المجتمع الذي  تعيش فيه. لم يعد يفهم منه، إلا حمل السيف أو الكلاشينكوف، واضرب أخوك. إنه أخوك الإنسان، مهما كان. كل عصر إلا والإنسان في خسر، إلا الذين آمنوا في عصرهم، وعملوا الصالحات في عصرهم، وتواصوا بالحق في عصرهم، وتواصوا بالصبر. نحن نتكلم على عصرنا، لكي يتصف الإنسان بهذا الوصف، عليه أن يكون من أهل الإيمان، ومن أهل الخير، ويكون من أهل الحق، ويكون من أهل الصبر. إن الأمر ليس سهلا، وليس في متناول كل شخص. ومهما تغيرت الظروف يبقى واقفا، ورغم ذلك "لا تيأسوا من رحمة الله". نحن نفهم الآية التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". سورة الأنبياء، الآية 105. قال مرة الشيخ سيدي الحاج المهدي، إن عباد الله الصالحين هم الصالحون لها. أي للأرض. يوم يستفيق الإنسان ويعرف أن فيه قوة روحية وفكرية ومعنوية، بإمكانها أن توصله الى درجة، تسمى الصلاح. والصلاح لا يكون إلا بالمشاركة مع غيرك، مهما كان ذلك الغير، بعيدا عنك في جميع الحالات، سواء كان ذلك ثقافيا أو فكريا أو دينيا، لأن بدونه، لا يمكنك أن تصل إلى الصلاح. وأرضي يرثها عبادي الصالحين. ولن تكون لهم ورثا، وينالونها بالرحمة عليهم، حتى ذلك اليوم الذي يجتمعون فيه تحت لواء الصلاح. إذن، فكلنا مطلوبون بأن يتحقق الصلاح في أنفسنا، ونكون من الصالحين. إنه رهان، إما نربحه أو نخسره.

    هل هذا الكلام مسموع عند المسلمين وغير المسلمين؟ أجاب الشيخ قائلا: يسمع هذا الكلام كل قلب يفتش عن الحق، وكان صادقا. ولماذا جعلنا شعار الملتقى، من أجل إسلام حر ومسؤول؟ حتى يسمعه الإنسان الذي يكون حرا ومسؤولا، مسؤول عن نفسه، ومسؤول عن غيره، وحر لا يخضع لضغوطات، كانت ايديولوجية، أو عاطفة أو فكرة تسيطر عليه. حر في قضاءه، حر في فكره، حر في تعبيره. وأما الإنسان المقيد، ويتوانى بالأقاويل ويتأوه.. قم فتحرر. وعندما تتحرر وتفكر بنفسك في أمرك، وتكون مسؤولا عن ما تقول وما تفعل، أمام الله وأمام المخلوقات.. من أي بلد كنت، سواء كنت من أوروبا أو أمريكا أو آسيا.

    من النادر إيجاد هذه الحرية التي تكلمت عنها عند الناس، فجميعهم متمسكين بشيء ما، أشعر أن عند الكلام عنها يظهر حاجز. رد الشيخ: لا تنسى أن الثقافة تتفاوت من مجتمع إلى مجتمع، ربما لو نذهب عند اليابانيين، نرى أنهم يفهمون هذا الخطاب، أما هل سيعملون به أم لا، فهذا شيء آخر. ولماذا جئنا إلى قلب أوروبا ونادينا بهذا الكلام؟ والذين تكلمتَ عنهم، سواء كانوا جزائريين أم لا، فقِبلتهم رجعت أوروبا. جاءه صوت - إن كل ما يأتينا من الغرب نقبله -. بطبيعة الحال. (ثم انتقل الشيخ إلى ذكر مسألة ما بعد مؤتمر مئوية الطريقة العلاوية الذي عقد بمستغانم صائفة 2009)، الذكرى المئوية أقيمت في مستغانم، وماذا عن التلبية، هل الصوت وصل؟ رأينا أنه ما زال بعد. لم يحن الوقت، ورغم ذلك، لا نقول أن الأمة لم تلبي، فهي مشتاقة إلى ذلك الشيء، وإنما لم يحن الأوان. لقاء جنيف تابع للقاء مستغانم، ويتغذى ويستمد من لقاء مستغانم، ربما لو لم يكن لقاء مستغانم، لما كان هذا. هذه الروحانية عمت المخلوقات كلها، وحاولت أن تظهر من وطن وبلد، تُعتبر من إرثه، وهو إرث فكري وديني وروحي، ولكن ربما المجتمع عندنا لم يصل.. ولذلك بعد الإحتفال، الشيخ لم يرجع إلى الجزائر. وماهو السبب(4)؟ علينا تحضير شيء آخر. ليست مسألة عاطفة... لا تنسوا يوجد جنيف، بعد جنيف، بعد 15 يوم، يوجد لقاء ألمانيا.. وبعدها لقاء قرطبة، ثم ملتقى في تركيا، من بعدها يأتي لقاء الهند.. وهذا الشيء مركب، هذا يدفع هذا... ثم تخطيط سنة 2011، قد تم إعداده. وعسى أن ينفع هذا المردود الجميع. عسى أن يمنحنا الله القوة والحفظ  والصحة. أما أنكم قد جُعلتم من الشاهدين، حتى تبقى هذه الشعلة دائما حية، لا تناموا، إذا نام الغير، أنتم تبقون دائما أيقاظ، وأنتم من واجبكم أن تبلّغوا، رغم كل الصعوبات. إذا كان الذين هم قريبين من الشيخ، لا يحملون هذه الفكرة ويدعمونها، ويعطونها مكانتها التي تزكى فيها، وتنضج فيها، ربما ستكون مع آخرين .

    في سؤال أخير، قيل له، إن تأثير مؤتمر مستغانم، كان موجودا، عند عدة طبقات، شباب ومثقفين، وكلٌ تقبل الفكرة، كانت بالنسبة إليهم غيثا، ولكنه يبقى معاق، مكيف في محيطه، تقف أمامه التقاليد والإعلام، وفكرة إسلام حر ومسؤول مقبولة، ولكن ما الذي يمكن فعله، لم يجدوا المخرج لتجسيده؟ أجاب: أنتم هنا من أجل ذلك. ليس لدي الوصفة، وصفة طبخ، وتعملون بها، وبها تنجح الأمور. لهذا تكلمت عن الدائرة، وكل واحد يجيب ما عنده. والذي يقول أنه لا يقدر، لا يقدر بمفرده، ولكن إذا دخلتَ في المجتمع الإنساني، وتشارك المجتمع الإنساني، وليس الجزائري فقط، فالجزائر لا تنجو بمفردها والمغرب لا  تنجو بمفرها وفرنسا لا تنجو بمفردها، وأمريكا الدولة العظمى هي بنفسها تعيش في ويل، لا ينجو أي إنسان إذا اعتمد إلا على نفسه. إذا قوبلت الفكرة، وقيل نعم، جب الشيء الذي تستطيع تقديمه، وابدأ في المحيط الذي تعيش فيه، مع أولادك، ومع أصدقائك. يوجد اليوم الأنترنيت، وبه يستطيع الإنسان أن يعيش هذا المؤتمر وهو في داره، يشاهده، ويسمع ما قيل فيه، ويبلغ. ولماذا لا يبلغ؟ وما على الرسول إلا البلاغ. يُبلغ. اسمع مني واحك عني. أما إذا قلت أتقبل هذا المشروع وتبقى جامدا، لن تنفع نفسك ولن تنفع غيرك. والدهر كشاف، إذا كنا على صواب أو كنا على خطأ. أنا أشعر أن هذا الشيء يقام هنا، وأناس في العراق تكتب عن طريق الأنترنيت، وتتابع الأمور في العراق، لم يعرفوا الطريق ولم يعرفوا التصوف، كل هذا الشيء بعيد عنهم، يتابعونه ويقولون هذا الشيء الذي نترجاه منذ سنين، وإنها جاهزة بأن تعمل بالشيء الذي سيخرج من هذا الملتقى. المئات وحتى الآلاف، عن طريق الأنترنيت يتابعون الشيء الذي يقع هنا. في البداية قلت لكم أن إنسانية أخرى في طور النشوء، نحن نحملها، ولكننا لا نعلم كيف سيكون أمرها، وهي جاهزة لهذا الشيء. الإرث الذي سيوكل للشباب عبؤه ثقيل، في جميع الميادين ثقيل، ليس له مخرج آخر أو مسلك آخر إلا بالرجوع إلى بعضه البعض. إما يفترس بعضه بعضا كالحيوانات، أو يفهم بعضه بعضا، لا يوجد بديل آخر، ولا وجود لطريق ثالث...

.. حتى تعرفوا أن هذا الشيء لم ينزل من السماء، بذل مجهود جبار، وأنتم موجودون في بلد، منذ مدة قليلة، منع فيها الترخيص لبناء المآذن، والقضية بلغت البرلمان، وكل الشعب انتخب، ووقع تصويت، وكل السويسريين، قالوا للإسلام برا (ارحل). يحدث وأن يقام في مركز باليكسبو، في عاصمة عالمية، فإن الأمر ليس سهل، إن لم تكن هناك قدرة ربانية ورائهم، فالأمر لن يتم. كونوا واعين، والناس تقوم بتتبع خطواتكم، وتراقب ما الذي تقولونه، وماذا تأكلون، وماذا تقولون، كل شيء مسجل. حتى تعرفوا ذلك، من الآن أقولها لكم. واتركوا كل واحد يقوم بعمله. واليوم الإسلام في اختبار، هل حقا كما يقولون، أم هي خدعة أخرى. حتى تكونوا على علم.

    الله يبارك فيكم، والله يحفظكم إن شاء الله، ومرحبا بالجميع، والله يجازيكم، على المجهود الذي بذلتموه، والشهادة التي جئتم لتدلون بها لوجه الله.

انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). عرف اللقاء باسم الندوة الدولية "لقاء الإسلام بالغرب"، نظمته جمعية أراضي أوروبا، تحت رعاية منظمة اليونيسكو، وذلك يومي 12 و 13 يناير سنة 2000. ألقى خلالها الشيخ خالد بن تونس خطبة تحت عنوان "من أجل إسلام السلام"، ونفس العنوان أعطاه لخطبته في ملتقى جنيف. للتذكير، إن جمعية أراضي أوروبا هي الجمعية الأم التي انبثقت منها الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، عيسى، سنة 2001، وأصبحت سنة 2014، منظمة دولية غير حكومية.

(2). تشي غيفارا (1928 -1967)، طبيب وكاتب وزعيم حرب عصابات وقائد عسكري، أرجنتيني المولد، ورجل دولة عالمي وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية، كما أنه ثوري ماركسي، أصبح أيقونةً في عالم النضال الشيوعي الاشتراكي، الذي انتشر في العديد من بلدان العالم في النصف الثاني من القرن العشرين.

(3). التكفير والهجرة: ظهرت جماعة بهذا الإسم سنة 1971، بسجون مصر، إلتف حول مبادئها بعض المعتقلين، سمت نفسها في بادئ الأمر جماعة المسلمين، ثم اتخذت اسم جماعة التكفير والهجرة، وبعد إطلاق سراح أفرادها، تبلورت أفكارها وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة، وأدبياتهم بتكفير الحكام بإطلاق، لعدم حكمهم بشرع الله، وتكفر المحكومين لرضاهم بهم، وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام، كما أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير الجماعة، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي، عزلة مكانية وعزلة شعورية، وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية - يقصد بها  المساجد تحت حكم العلمانيون -، ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين، بالإضافة إلى إشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام.
    
    للتنبيه، أنه لما رأى المتدينون المسلمون داخل السجون من ألوان العذاب، ما تقشعر من ذكره الأبدان، وسقط الكثير منهم أمامهم بسبب التعذيب، دون أن يعبأ بهم أحد، في هذا الجو الرهيب ولد الغلو ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها. من الواضح أن المعتقلين كانوا يتلقون ألوانا من التعذيب مجانية، بدون ذنب إقترفوه، وذلك لدفعهم للانعزال وشحنهم بالبغض والكراهية، وتوليد دافع الانتقام من الحكام الظلام، والشعب الذي يصفق لهم.

(4). بعد انتهاء مؤتمر مئوية الطريقة العلاوية في صائفة سنة 2009، غادر الشيخ الجزائر، ولم يطأ أرضها إلا في سنة 2011، وفي حديثه أوضح بعض أسباب ذلك الغياب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق