الأربعاء، 29 أبريل 2020

دعوة من جنيف إلى إسـلام روحاني وحـرّ ومسؤول

دعوة من جنيف
 إلى إسـلام روحاني وحـرّ ومسؤول


بقلم محمد شريف، جنيف
swissinfo.ch عربي، في يوم 08 أكتوبر 2010.


    الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة الصوفية العلاوية، أثناء لقاء أجرته
     معه swissinfo.ch في جنيف يوم 8 أكتوبر  2010   
  
  تنظم الطريقة الصوفية العلاوية العالمية، بالإشتراك مع فرعها السويسري يومي 9 و 10 أكتوبر 2010 ملتقى في جنيف تحت عنوان "إسلام روحاني حر ومسؤول"، بحضور زعيم الطريقة الشيخ خالد بن تونس وعدد من المفكرين والزعماء من مختلف الأديان. وفي ظل التحديات القائمة، يهدف الملتقى إلى إسماع صوت "إسلام الرحمة والسلام، وإسلام يقوي الروابط بين أبناء الجنس البشري"، حسب منظميه.

    لعل ما يلخص بحق الغرض من تنظيم ملتقى "جنيف 2010- إسلام روحاني حر ومسؤول" من طرف الجمعية الدولية للطريقة الصوفية العلاوية في هذا الوقت بالذات، يمكن استخلاصه من أدبيات الساهرين على تنظيم التظاهرة، الذين حددوا بأن تكون "بمثابة مختبر لأفكار جديدة، وأن يقترح أفكارا وتصورات تشجع على تكوين نظرة انفتاح على عالم الغد".

    فالطريقة الصوفية العلاوية التي احتفلت في العام الماضي بمرور 100 عام على تأسيسها على يد الشيخ أحمد ابن مصطفى العلوي، وكذلك فرعها السويسري الذي يعود تأسيسه الى عام 1952، يعتبران أن "الوقت قد حان لإسماع صوت آخر يتحدث عن الإسلام".

    وقد تم اختيار أن يكون ذلك من جنيف وسويسرا، كما يشرح زعيم الطريقة الصوفية الشيخ خالد بن تونس في مقتطفات من حوار مطول خص به swissinfo.ch، "لقد تم اختيار جنيف لكونها المدينة الدولية المحتضنة لمقر الأمم المتحدة وكبريات المنظمات الدولية وغير الحكومية، وبالتالي لدينا اعتقادا بأن النداء الذي سنصدره (عند نهاية الملتقى)، يمكن أن يكون له صدى أكثر على المستوى الدولي. وثانيا، ويجب ألا ننسى ذلك، وهو لأن سويسرا كانت من أوائل الدول الأوربية التي استقبلت الإسلام، ابتداء من ثلاثينات القرن الماضي، عندما زارها جدي الشيخ العلاوي، أثناء مشاركته في تدشين مسجد باريس في عام 1926. وقد كان السويسريون أول من استجاب لندائه، وهو ما جعل هذا الإسلام الروحاني الصوفي يتواجد في سويسرا منذ ذلك الحين. ومن واجبنا التعبير عن الاعتراف لهذا البلد الذي استقبل بذور الإسلام الروحاني منذ زمن طويل، وفي ذلك عودة للأصول وللتاريخ".


"بناء عالم الغد معا وليس بالمواجهة"

    إذا كانت الفكرة المفضلة لدى زعيم الطريقة الصوفية العلاوية الشيخ خالد بن تونس هي "بناء عالم الغد، يتم بتضامن بعضنا البعض وليس بالمواجهة بيننا"، فإن الساهرين على ملتقى جنيف رغبوا في تجسيد ذلك في مختلف المحاور التي اشتملت عليها فقرات الملتقى.

    إذ شملت لجنة الشرف المشرفة على الملتقى الى جانب أسماء لسياسيين وبرلمانيين من أوروبا وفرنسا وسويسرا، زعماء دينيين يمثلون الإسلام والمسيحية واليهودية، وممثلي طوائف صوفية مختلفة، إضافة الى مفكرين ومثقفين وحتى ممثلين لجمعيات علمانية.

    وهذا التنوع نجده أيضا في المحاور المختلفة التي اشتمل عليها برنامج الملتقى، بحيث سينتقل المشاركون من موضوع المرأة والعولمة، بعد الخوض في جدلية التقليد والحداثة، الى موضوع البيئة من منظور "الطبيعة منبع الشعور الروحاني"، بمشاركة المدير السابق للمكتب الفدرالي السويسري للبيئة فيليب روك، أو من خلال تجربة ميدانية في المغرب للتبادل المعرفي بين الفلاحين، تقدمها رئيسة جمعية "أرض وإنسانية" فطومة بن عبد النبي، من منطلق أنه "لا سلام فوق الكرة الأرضية بدون علاقات سلمية مع أمنا الأرض".

    كما سيتناول المشاركون قضايا الساعة، مثل دور الإعلام في التوعية والتكوين، ولكي يتحول الى باعث أمل، بدل عامل تعميق للهوة.


التشديد على "إسلام حر ومسؤول"

    ولاشك في أن الموضوع الذي سيتخلل مختلف جلسات الملتقى طوال اليومين، هو المكانة التي يرغب معتنقو الطريقة الصوفية العلاوية، ومن يشاطرونهم نظرتهم في أن يلعبها الإسلام في عالم اليوم.

    وهذا ما سيتجسد من خلال الجلسة الافتتاحية التي يديرها زعيم الطريقة الصوفية العلاوية، الشيخ خالد بن تونس تحت عنوان "من أجل إسلام سلام"، أو الجلسة التي ستنظم تحت عنوان "الروحانية في خدمة السلم"، والتي سيتناول فيها الباحث في علم الأديان باتريك هيني موضوع "إسلام روحاني حر ومسئول"، لكي يشرح فيها طبيعة العلاقة في الإسلام بين الفرد والخالق، والتي لا تحتاج الى وسطاء. وهو ما يصفه "بالحرية المحورية"، قبل أن يتساءل، هل بإمكان الفرد أن يتحمل هذه المسئولية وأن يستفيد من هذه الحرية بدون زاد روحي؟

    وعن اختيار الملتقى التركيز على إظهار "إسلام روحاني وحر ومسئول"، يقول زعيم الطريقة الصوفية العلاوية الشيخ خالد بن تونس في حديثه لسويس إنفو "انشغالنا منذ مدة وطريقة عملنا دائما كانت للترويج لإسلام حر، لأن الإسلام دين حرية كما جاء في النص "لا لإكراه في الدين" ، "لكم دينكم ولي دين". والتركيز على الحرية هو أيضا لكي نبتعد عن مواقف تيارات وجماعات أصولية، تتحكم فيها وراء الستار دول أو تيارات أو قوى عظمى. أما نحن فقد اخترنا بكل حرية هذا الدين ونعيشه في أوروبا ونرغب في نقله إلى أبنائنا. أما الحديث عن المسئولية، "إسلام مسئول"، فلأننا نؤمن بأننا ننتمي الى هذا الجسد، الذي هو المجتمع الأوروبي، والذي يأوي الجيل الرابع من المسلمين. ومن هذا المنطلق، علينا أن نحترم قوانين هذا المجتمع القائم على أسس القانون والديمقراطية وضمان الحريات... وأن نندمج فيه وأن نؤثر في حاضره ومستقبله، وليس التقوقع على أنفسنا في عزلة طائفية قاتلة".

    ولربما أن ما قد ينتظره المتتبعون من السياسيين بمزيد من الاهتمام هو محتوى الجلستين المخصصتين بعد ظهر الأحد 10 أكتوبر لموضوع الإسلام والمواطنة، بمشاركة الشيخ بن تونس، والشيخة نور أرتيران رئيسة الجمعية الثقافية التركية مولانا شفيق كان الدولية، وعدد من ممثلي ديانات أخرى، وتيارات إسلامية تقدمية وعلمانيين وسياسيين، نذكر منهم زعيم حزب الخضر في سويسرا أولي لوينبيرغر، تحت عنوان "نظرة مغايرة عن الإسلام: مواطنة للجميع ومسئولية فردية".

    وعما إذا كان الجميع مدعو للمشاركة في الملتقى، وما إذا كان على الجانب المسلم توحيد نظرته بين تياراته أولا، قبل فتح الحوار مع الآخرين يقول الشيخ بن تونس "لا نرغب في تغيير نظرة أحد، والإسلام كباقي الديانات الأخرى له تياراته من سلفية ووهابية وإخوان مسلمين وغيرهم. لقد وجهنا الدعوة للجميع وسنرى من سيحضر ومن لا يحضر. فنحن ننهج نهج الحوار في بلد ديمقراطي ومتفتح ونهج الحوار مع الآخر أيّا كان، لأن الإنسان قبل أن يكون مسلما أو مسيحيا وقبل أن يكون مؤمنا أو غير مؤمن، هو بمثابة كائن له ضمير بالدرجة الأولى. ونحن نخاطب هذا الضمير لدى المسلم والمسيحي وغيره، من أجل البحث معا في ظل هذه العولمة عن نظرة مليئة بالأمل بالنسبة لمستقبل الإنسانية".


مواصلة الحوار

    وعن السقف الذي يحدده زعيم الطائفة الصوفية العلاوية الشيخ خالد بن تونس، لنجاح هذا الملتقى في تحديد الأهداف التي نظم من أجلها يقول "مجرد انعقاد هذا الملتقى هو بداية نجاح في حد ذاته. يضاف الى ذلك الاهتمام الذي أولته وسائل الإعلام الدولية بشكل غير مسبوق لمثل هذه الملتقيات، والمشاركة الكبرى لشخصيات وردت من الجزائر والمغرب ومصر وكل أوروبا، من أجل إسماع صوت إسلام الرحمة والسلام، وإسلام يقوي الروابط بين أبناء الجنس البشري، وليس إسلام ينزوي في الركن الذي أراد البعض وضعه، في زاوية صراع الحضارات بين الشرق والغرب".

    ولا يعتزم منظمو ملتقى جنيف التوقف عند هذه المحاولة، بل كما يقول الشيخ بن تونس هناك خطوات مبرمجة لمواصلة هذا الحوار، ذكر منها "لقاءا مماثلا للقاء جنيف سينظم في ألمانيا بمشاركة المساجد والكنائس، لحث الشبيبة على العمل معا، ثم حمل مشعل جنيف في مسيرة عبر كومبوستل (بفرنسا) ثم قرطبة، حيث يتم عقد ملتقى قرطبة في شهر نوفمبر 2010. هذه المدينة التي تذكرنا بتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وإعادة تذكيرنا بوجود إسلام أوروبي، كان قائما هنا منذ القرون الوسطى. كما أن مدينة قونية التركية، ستستقبل ملتقى آخر، هي التي كانت مهد جلال الدين الرومي، بكل ما تركه للإنسانية من إرث روحاني وثقافي".


الطريقة الصوفية العلاوية

   ولد الشيخ خالد بن تونس في مدينة مستغانم، بغرب الجزائر عام 1949، حيث مقر الطريقة الصوفية العلاوية، المنحدرة من الطريقة الشاذلية الدرقاوية.

    وقد أسس جده الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي هذه الطريقة عام 1909 التي حملت اسمه. كما تولى والده الشيخ الحاج المهدي بن تونس زعامة الطائفة حتى عام 1975.

    عند وفاة والده في 24 أبريل 1975، وجد خالد بن تونس، الذي كان يواصل دراسته في أوروبا، نفسه مضطرا للعودة لحضور مراسيم الدفن. وهي المناسبة التي شهدت اختياره من قبل أتباع الطريقة الصوفية العلاوية، لتولي منصب الزعيم الروحي للطريقة.

    تعود علاقة سويسرا بالطريقة الصوفية العلاوية، تعود الى العام 1934. وقد تعززت بزيارة والد خالد بن تونس الشيخ الحاج المهدي بن تونس في عام 1952.

    ويذكر الشيخ خالد بن تونس أنه "عندما أراد العودة للجزائر تساءل أتباعه من السويسريين عن كيفية التصرف في غيابه، بعد ان اعتادوا الاستفادة من تعاليمه لتوجيههم في عقيدتهم. فكان جوابه "لقد أتيت لأنقل لكم رسالة التوحيد. لقد كنتم سويسريين من قبل، فابقوا سويسريين من بعد".

    ويعد الفرع السويسري للطائفة الصوفية العلاوية واحدا من بين ثمانية عشر فرعا يشكلون الجمعية العالمية الصوفية العلاوية، المنتشرة في العديد من دول العالم، مع تركيز على الجزائر والمغرب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق