الثلاثاء، 28 أبريل 2020

صحوة التصوف

صحوة التصوف


صحيفة Le Temps، في 07 10 2010.
من مقابلة أجرتها باتريشيا برييل

    تستضيف جنيف في نهاية هذا الأسبوع مؤتمرًا مهما حول الصوفية. إنها الفرصة لاكتشاف روحانية حديثة ومتنامية.

    لقاء مع الشيخ خالد بن تونس، الذي يعتبر من الشخصيات البارزة في هذا التيار الروحي.

    الصوفية يبرزون. ففي 9 و 10 أكتوبر، يعقد مؤتمر كبير في جنيف، حول التيار الروحي للإسلام. لا تزال هذه الروحانية غير معروفة للجمهور العريض، وتمر حاليًا بنهضة في العديد من البلدان الإسلامية، وآخذة في التوسع في أوروبا. يهدف المؤتمر المقام برعاية شخصيات دينية وسياسية من سويسرا وفرنسا، إلى كسر القوالب النمطية عن الإسلام، بإجراء سلسلة من المحاضرات والورش، تعني مواضيع مختلفة، مثل العولمة أو البيئة. يتعلق الأمر بإظهار صورة "إسلام روحي حر ومسؤول".

    ينعقد المؤتمر بحضور الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة الصوفية العلاوية. ولد في مستغانم في الجزائر عام 1949، ويعتبر اليوم واحد من أبرز شخصيات التصوف. يدين الشيخ بن تونس كافة أشكال العنف والتعصب، ومشيدا بالقيم العالمية، قال أن "التصوف هو قلب الإسلام".


الصحيفة: ما هو تعريفك للتصوف؟

الشيخ خالد بن تونس: التصوف غذاء روحي يرجى منه إيقاظ الضمير البشري. ويقوم على القيم الإنسانية والعالمية مثل الأخوة والإيثار والكرم. يُذكّرنا بأن معنى الممارسة الدينية هو قبل كل شيء علاج الإنسان المريض. إن الصلاة والذكر والسماع علاج للنفس. في التصوف، لا نجد الشريعة أو العقائدية ولا الحَرفية. يعتبر التصوف أن  لا أحد يحتكر الحقيقة. يوجد من الطرق بقدر ما يوجد من عدد البشر على وجه الأرض. التنوع الديني ثراء. والغير هو مرآتي، وضروي بالنسبة لي.


الصحيفة: ما هو موقع التصوف اليوم في العالم الإسلامي؟

الشيخ خالد بن تونس: لطالما كان التصوف العمود الفقري للإسلام. لكن القومية قامت بتهميشه لفترة طويلة. في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، اعتبر التصوف إلى درجة أو أخرى، من قبل بعض المثقفين المسلمين كشيء عفا عليه الزمن. رأوا فيه روحانية تدعو الإنسان للعيش بعيدا عن هموم العالم. في ذلك الوقت، ساد الاهتمام بشكل أساسي بالاستقلال والسيادة. تزامن ذلك مع نشأة الوهابية والسلفية.

    بعد حصولها على الاستقلال، جعلت العديد من الدول الإسلام دينها الرسمي. أصبح الإسلام خاضع لسيطرة الدولة. أحدثت الثورة الإيرانية يقظة إسلامية، لعب فيها الإخوان المسلمين دوراً مهما. خلّفت القومية الإسلاموية. تنافست السعودية وإيران على قيادة العالم الإسلامي. لقد لعبت هذه الدول لعبة خطيرة، من خلال تمويل الحركات الإسلامية و السلفية، الذين كان هدفهم الأساسي هو الجهاد. كما شارك الغرب في تطورها خلال حرب أفغانستان ضد روسيا. بمجرد انتهاء هذه الحرب، عاد الشباب إلى منازلهم مدججين بهذا الفكر الجهادي.

    واليوم تبحث الدول الإسلامية عن بديل. نحن نشهد إحياء للتصوف، يتجلى في العديد من البحوث الفكرية والأكاديمية والروحية. حدث تحلّي بالوعي كبير، أدى إلى استعادة جوهر هذه الروحانية، من خلال تحريرها من لحاء العادات والتقاليد، التي تثقل كاهلها. يكمن التحدي في أن نجعلها متوافقة مع العالم الحديث، دون الوقوع في روحانية واهية.

    في أوروبا، يحظى التصوف بالاحترام. لم يحدث أن كتب عن التصوف مثلما هو عليه الأمر اليوم. دفع القلق بشأن الإسلام العنيف المسلمين وغير المسلمين إلى البحث عن مسار للإدراك من خلال هذا الدين. ومع ذلك، تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الروحانية هي من مظاهر الصيحات. بالنسبة للبعض، تعتبر هروب يسمح بعدم مواجهة الواقع. فالتصوف ليس رحلة للإستجمام. إنه يدعو إلى جهاد دائم ضد النفس الأمارة، حتى تتحسن طريقتنا في التفكير والكلام والمعاملة.


الصحيفة: هل جاءت نهضة التصوف بسبب انحسار الإسلاموية؟

الشيخ خالد بن تونس: أفضت الإسلاموية إلى فراغ. يمكننا أن نرى أنها لا تملك خططا، وتعيش وهما تاما. تفسر الإسلام على نهج القرون الوسطى. وضاعت معالم المسلمين. مع العولمة، أصبحت تُصلح عرى الإسلام  بالترقيع. قُلص تنوعه واختزل إلى دين معياري، معزول عن واقع  العصر الذي نعيش فيه. من هذا المنظور، فإن صدام الحضارات ليس أسطورة. يراد له أن يصبح حقيقة واقعة. ولكنه قبل كل شيء هو صراع الجهالات.
    ومع ذلك، يطرح التيار الإسلامي سؤالًا أساسيًا للجميع: ما هو مستقبل المجتمع البشري؟ هل يسير نحو سوء تفاهم دراماتيكي متزايد؟ أم هل نحن قادرون على إعطاء معنى لإنسان اليوم؟ ينبغي الإعتراف  بأن عدم المساواة  بين الشمال والجنوب والنزعة المادية والمجتمع الاستهلاكي يفرغون بشكل متزايد معنى إنسانيتنا. يمكن أن يكون التطرف الديني مفيدًا هنا، لأنه يمكن أن يقودنا إلى طريقة جديدة للنظر الى العالم.


الصحيفة: في أحد كتبك تقول أن الإسلاميين ينتهكون المبادئ الأساسية للإسلام، وأنهم عكسوا بتحيل، سير المسعى الروحي. لماذا؟

الشيخ خالد بن تونس: رسالة الإسلام هي قبل كل شيء رسالة روحية. ترتكز على ثلاثة أركان: الشريعة والإيمان والإحسان. لكن الإسلاموية ترتكز فقط على الأول. بالنسبة لهذا التيار، كل شيء مبني على الشريعة. يتجاهلون الإيمان، الذي يجب تمييزه عن العقيدة. العقيدة ميراث. أما الإيمان لا يمكن اكتسابه إلا بنفسك، باعتقاد راسخ. وتتجاهل الإسلاموية أيضا الإحسان الذي يحدد بالعلاقة التي نربطها مع الغير. بالنسبة لهذا التيار، كل شيء يكمن في العبادة والحَرفية والشريعة. لذا، إن جعل الجهاد حرب مقدسة، فلن يكون هذا إلا سخافة. بالفعل تعني كلمة الجهاد الجهد الذي يبذله المرء لإفلات النفس.


الصحيفة: ماذا نفعل بالآيات العنيفة في القرآن، التي يستند عليها المتطرفون لتبرير أعمالهم الإجرامية؟

الشيخ خالد بن تونس: يجب أن نعيد القرآن إلى سياقه. من غير المعقول تفسيره حرفيا. الحرفية أمر خطير، لأنه ينكر الروح ويلغي العقل. يعتقد المتطرفون أننا نعيش في نهاية الزمان، يشعرون بنداء الآخرة، يريدون الإلتحاق بالجنة في أقرب وقت ممكن، ليكونوا بالقرب من الحور. ولكن هنا ينبغي بناء الجنة. الحور هم أبناؤنا وآبائنا وأصدقائنا.


الصحيفة: ما هي نظرتك إلى الشريعة؟

الشيخ خالد بن تونس: جُعلت الشريعة من أجل تناغم المجتمع وليس سجنه. الغرض منها تحسين العدالة وحقوق الأشخاص. لطالما دعا المسلمون الأوائل إلى العقل. حتى أنهم ذهب بهم الأمر إلى البحث عن التشريعات في القانون الكنَسي البيزنطي. نحن في القرن الواحد والعشرين، ويمكن للشريعة أيضا أن تستوحي من قواعد وقوانين عصرنا.


الصحيفة: لكن الشريعة تنص على عقوبات بدنية مثل الرجم ...

الشيخ خالد بن تونس: من الضروري، وضع الشريعة في سياقها التاريخي، الذي شهد وضعها. اليوم، هذا النوع من العقوبات لا يتوافق مع القوانين الإنسانية. فلماذا لا نعيد الرق إلى مسايرة العصر، بما أنه شرعي؟ يجب أن نعود إلى تحكيم العقل. الإسلام رحيم في جوهره.


الصحيفة: حظرت بلجيكا وفرنسا ارتداء البرقع في الأماكن العامة. ما هو موقفك في هذا الموضوع؟

الشيخ خالد بن تونس: لقد أصبح البرقع، مثل الحجاب، علامات انتماء إلى الحركة الإسلامية.

    هذه الملابس لا علاقة لها بالدين. هناك أيضًا، يجري تقويض للإسلام.

    غير أن حظر ارتداء البرقع أو الحجاب يعزز النزعة الطائفية، في رأيي. وبالتالي نحافظ على أسطورة أمة مسلمة وحيدة منفصلة عن بقية المجتمع.


الصحيفة: هل صُدمْت بنتيجة التصويت على المآذن في سويسرا؟

الشيخ خالد بن تونس: لا. على الإطلاق. يعيدنا هذا التصويت إلى التاريخ. أول مسجد زوّد بمئذنة، كان ذلك في دمشق. ويتعلق الأمر بمسجد كان في الأصل كاتدرائية. وذلك، أنه تجنبا لتدمير برج الجرس، اتخذ المسلمون منه مئذنة. هكذا بدأ تاريخ المآذن. لم يكن المسجد الأول يحتوي على مئذنة.


في نفس العدد نشرت LeTemps


مختلف تيارات التصوف


بواسطة ب ب.

    يتم نشر التيار الصوفي للإسلام من قبل العديد من الطرق، التقليدية أو الليبرالية، والتصوف نشأ في القرن السابع. تطورت هذه الحركة الزاهدة والروحية من البصرة والعراق وطهران. يبقى الإحسان والتسامح والإيثار والزهد عن الملذات الدنياوية وترويض النفس في صميم التدريس الصوفي. في حين تعتمد بعض الطرق تصوفا تقليديا يتعلق بتعاليم الإسلام،  تدعي أخرى حرية عقائدية، حتى يتسنى لها استخلاص بشكل أفضل عالمية الحكمة الصوفية، بغية نشرها حول العالم. إن حب هذا التيار المتحرر للموسيقى والرقص والشعر وكذلك الحرية يثير شكوكا في بعض المسلمين المحافظين. يعتبر السلفيون والوهابيون هذا النوع من التصوف، إن لم يكن بدعة، على الأقل كتهديد للإسلام "الصحيح".

    اليوم، يضم التصوف العديد من المريدين. منذ السبعينات، نما بسرعة في أوروبا. أهم "طرقه الرئيسية" مثل النقشبندية والشاذلية والقادرية والتيجانية، وقد تأصلت هناك.

    تتواجد الطريقة العلاوية في فرنسا منذ عشرينيات القرن الماضي، وفي سويسرا منذ عام 1934. منذ بداياتها أثبت انفتاحا كبيرا للغرب. انضم إليها شخصيات سويسرية  بارزة، مثل الكاتب فريتجوف شيون (1907 - 1998)، والرياضي الشهير والطيار العسكري ليك نيغلي (19201992 وهنري هارتونج (1921- 1988)، رئيس ومؤسس معهد العلوم و التقنيات البشرية في باريس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق