الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

علاج النفس، الفصل الرابع: تربية الجوارح، الحفاظ على الميثاق الآدمي

الحفاظ على الميثاق الآدمي


    نحن سائرون نحو عالم، سيعرف تحولات عجيبة في ميدان الإنجاب. فاليوم تستطيع المرأة أن تنجب، بواسطة التلقيح إصطناعي، دون الحاجة إلى رجل، كما يمكن للطفل أن يتواجد في بعض الدول التي تسمح قوانينها، بأن يكون لديه أُمَيْن أو أبَوين. لن تعود العلاقة الجنسية بين الرجل و المرأة ضرورية للتناسل.‏ ستبقى مخصصة فقط للمتعة، و الشهوة الجسدية الفورية.

    تتوجه الإنسانية دون شك، نحو برمجة الحياة و التحكم في تطورها البيولوجي. لقد سبق و أن تكفلت مراكز مختصة بعملية الإنجاب و تسييره. لقد أصبح الأمر مسألة مال، يمكن للأزواج الذين يستطيعون أن يدفعوا، أن يشتروا الطفل الذي يرغبون فيه. تعطي الهندسة الوراثية إمكانية تغيير جينات الجنين، للحصول على كائن مقدر له أن يكون سليما، مع خصال جسمية خاصة. تغيير كبير بصدد الحدوث. سنشهد نشأة نظرة جديدة للإنسان، و نوع آخر للأخلاق. أطفال ليس بالضرورة آباؤهم من أنجبهم. ما هي عواقب هذه الإبتكارات على مستوى خلية العائلة و تكوين الذات؟ لا نستطيع معرفة النتائج إلا بعد عدة أجيال. من هذه الناحية، نحن نتجه نحو مستقبل غامض. ربما سيحصل إنقطاع بين الإرث البيولوجي الذي تلقيناه، و الإرث الثقافي الذي سنُورّثه. ألسنا على وشك حدوث تغيير جذري، سيهدد توريث الذاكرة، و البنوة، و الإنتماء إلى جماعة أو أمة، و البنيات القاعدية لتاريخ الإنسانية، الضامنة لتنوع الإنسان، و غناه الأخلاقي و الثقافي؟

    يمكن أن تشعر الأجيال التي ستخلفنا أنها غير معنية بهذا النوع من المسائل، و لن تحرص على إدامة إرث التناسل الجنسي. سيعتبروننا بدون شك كائنات أقل تطورا: في حين أن الطبيعة هي التي تسير تناسلنا، و بالنسبة لهم فإنها لا تقوّم إلا بإرادة طبية، أي إرادة علمية مبرمجة. و من المفترض أن يحصلوا على أشخاص أكثر ذكاءا، و يقضون على الأمراض الوراثية، و يزيدون عمر الإنسان، مما يزرع لهم شعورا بالإستعلاء. من المحتمل أن هذه الإنقلابات، ستنشئ لدى الأجيال القادمة ضربا من الروح النخبوي و الطبقي، و سيُتعامل معنا كما تعاملنا في القرن التاسع عشر مع "المتوحشين" و الأهالي. سترى الأجيال القادمة  نفسها أكثر رقيا و فطنة و ذكاءا من أسلافها. و لكن هل سيكونون بذلك أكثر إنسانية؟
    مقابل هذا، سنكون مخطئين إذا إعتقدنا أن الأمر يتعلق فقط بعلم الخيال. و من الجدير بالذكر أن دور الجنس هو التناسل. يجب أن نلقنه بدورنا، بالكيفية التي تلقيناه بها. يعتمد هذا التحذير بالجملة على العهد الآدمي الذي يربطنا بالله منذ خلق أول إنسان.
"و لا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون". (النحل، 95).
   
    لنسعى إذن دائما، أن يبقى مستقبل الإنسانية مدونا في هذا المنظور، إن شئنا الإستمرار في تلقين الأمانة كما تلقيناها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق