الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

سيدنا داوود عليه الصلاة و السلام



سيدنا داوود عليه الصلاة و السلام


"إصبر على ما يقولون. و اذكر عبادنا داوود ذا الأيدي إنه أواب. إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي و الإشراق و الطير محشورة. كل له أواب. و شددنا ملكه و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب". سورة ص الآيات من 17 إلى 20.


جالوت
    قبل وفاته، عهد النبي صموئيل إلى ملِك شعب إسرائيل العبري بدرع من زرد. إن الذي يتمكن من إرتدائه سيصبح النبي الجديد القادر على المقاومة، ضد العملاق جالوت، قائد العماليق، الذي كان يهدد بني إسرائيل. تقدم عدة أشخاص و لكنهم لم يفلحوا. و في الأخير، قرروا تجربته على الشاب الصغير الهزيل داوود. تفاجأ الجميع، لقد لبسه بكل بسهولة. أثبتت هذه المعجزة كلام صموئيل. و لكن كيف يمكن لطفل صغير و ضعيف أن يغلب العملاق؟ لم يتراجع الطفل الواثق من عون الله أمام التحدي. أخذ مقلاعه و تقدم أمام جالوت. جُرحت كرامة هذا الأخير عندما قورن بطفل، فامتطى حصانه و انطلق بعجلة. صوّب داوود و رمى حجارة. في تلك اللحظة أثار الله ريحا قوية حملت خودة جالوت، فأصابته القذيفة في الجبين، و هوى الظالم ميتا.


الملك داود
    بفضل هذا النصر، تزوج داوود إبنة الملك طالوت، و سمعته كحكيم بلغت الآفاق، إلى حد أن الملك أخذته الضعينة و قرر قتله. و لكن داوود حُذر، فوضع في سريره قِربة خمر. عندما دخل الملك إلى غرفته، ضرب ما كان يعتقد أنه منافسه، و اكتشف الخدعة. بعد بضعة أيام، دخل داوود بدوره غرفة طالوت، و أحاط جسده بالسهام، مُسجلة بإسمه. عندما استيقظ الملك فهم أن داوود قد حفظه.
    عند موته خلفه داوود. و أعطاه الله الملك و الحكمة و فصل الخطاب و الكتاب (الزبور)، الذي لم يكن كتاب شرائع، و لكنه ترتيلة للمحبة الإلهية.

الزبور
    كان داوود مولع بحب الله، حتى أنه عندما كان يقرأ الزبور، فبرحمة من الله، كانت العصافير و الجبال تغني معه. حسب التقليد فإن داوود سيؤذن للصلاة و يسبح بحمد الله في الجنة.

   نداء البريئ، صلاة لداوود.
اسمع يا رب للحق.انصت الى صراخي اصغ الى صلاتي من شفتين بلا غش.
من قدامك يخرج قضائي.عيناك تنظران المستقيمات.
جربت قلبي تعهدته ليلا.محصتني لا تجد فيّ ذموما لا يتعدى فمي.
من جهة أعمال الناس فبكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف.
تمسكت خطواتي بآثارك فما زلت قدماي.
انا دعوتك لانك تستجيب لي يا الله.أمل أذنك اليّ.إسمع كلامي.
ميّز مراحمك يا مخلّص المتكلين.
مزمور 17.


النعجات التسع و التسعين
"و هل أتاك نبأ الخصم إذ تساوروا المحراب إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف. خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق و لا تشطط. و اهدنا إلى سواء الصراط. إن هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة فقال أكفلنيها و عزني في الخطاب. قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. و إن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم. و ظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه و خر راكعا و أناب. فغفرنا له ذلك. و إن له عندنا لزلفى و حسن مئاب. يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب". سورة ص الآيات من 21 إلى 26.

    لم يكن داوود راضي بما وهبه الله، الملك و الحكمة و فصل الخطاب، كان يعتبرها حجب تلهيه عن عبادته، فطلب من الله أن يريه مقامات بقية الأنبياء. لبى الله طلبه، فلاحظ داوود أنه لم يصل إلى مستواهم. فترجّى إمتحان تصفية ليصل إلى الحال الكامل للنبوة.
    إعتزل داوود لفترات طويلة في معبد مستغرقا في الصلاة، فنسي الليالي و الأيام. فجأة رأى رجلين، خرجا من المحراب. فخاف، لأن لا أحد يجرؤ على التسلل إلى هذه الأماكن. طمأنه الرجلان و طلبا منه أن يحكم بينهما في خلاف يواجههما. قبِل داوود و أدلى بحكمه. عند اختتام الحوار قال: "إن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات". عند هذه اللحظة، عندما نطق بهذه الكلمات، فهم أنه يحاكم نفسه. فأناب و هوى راكعا. سوف نرى لماذا.
    في أحد الأيام عندما كان يصلي حطت بقربه يمامة بيضاء، ثم طارت نحو النافذة. باتباعها بعينيه شاهد إمرأة جميلة، عريانة، كانت تمشط الأحصنة. فأحبها فورا بدون أن يتفطن للفخ المنصوب من طرف إبليس. أراد أن يعرف هوية هذه المرأة. إنها بتشبع زوجة القائد يوريا، المرابط بالشام لقتال الكفار. في الحال، أمر الملك داوود بتنصيب القائد قرب التابوت الذي يحوي رفات الأنبياء، و يرافق العبريين في حروبهم ضد العدو، مانحا إياهم القوة و الشجاعة في المعارك. كانت هذه القوة العجيبة تثير طمع العدو. من أجل هذا، فإن كل من يتواجد بالقرب منه يتعرض إلى أكبر الأخطار. تحققت رغبة داوود و قتل يوريا. أصبحت بتشبع متحررة. بعد مرور العدة طلبها داوود للزواج. قبِلت بشرط ،أن يخلفه الولد المزداد من زواجهما. و هكذا ولد سليمان.
    الرجلان اللذان أتيا إلى المعبد ليفصل في خلافهما، كانا في الحقيقة ملكان، جاءا ليمتحناه و يرفعا من شعوره. كان داوود يملك تسع و تسعين زوجة يمثلن الدرجات التسع و التسعين للمعرفة (أسماء الله التسعة و التسعون). كان ينقصه المائة، الأخير، و هو لحضرة الإطلاق، و الأكبر و الأوسع، و الأقوى، الذي لا يكشف و يحوي كل الأسماء الأخرى. إنه الإسم الأعظم. طلب داوود هذا الإسم الذي لم يكن قد تحصل عليه، و بدونه لن يتحقق كلية. و عندها ستتوقف سلسلة الإستخلاف الروحي، و سليمان لن يكون الوريث الروحي.
    لامتلاك المعرفة لابد من مقابل. الإمتحان الذي يسمو بالإنسان باطنيا. إعتقد داوود أنه قوي، و قادر على التفوق و الوصول إلى الدرجة المائة للمعرفة (المرموز لها ببتشبع). بعدما إمتحنه الله، قدّر ضعفه. و حكم على نفسه، بطلبه إمتحان يفوق قدراته، و قد نصحه الله باجتنابه. لم يُقدر كفاءاته، فقد أناب و قضى لياليه و أيامه في العبادة. ينقل التقليد أن منذ آدم، لم يبكي أي إنسان، و طلب من الله أن يتوب عليه، مثلما فعل داوود "ذا الأيدي إنه تواب".
    يظهر جليا، أنه ينبغي ترك الأمور في يد الله. لا نحثه و لا نعتقد في همتنا، في حين أننا ضعفاء، ما دامت القوة الباطنية، هو من يعطيها لنا.
    كان خطأ داوود إعتقاده في القوة المطلقة لتقواه، ناسيا أنه لا تؤتى معرفة الله إلا بفضله. "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". سورة البقرة، الآية 286. و يعلمنا القرآن دعاء المؤمن "ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به". سورة البقرة، الآية 286.
    كان داوود نشوانا و فانيا في الحب الإلهي، فطلب من الله أن يمتحنه أكثر، يعني "إضافة نار على نار". هو الحكيم، الرفيع القدر في علاقته مع الناس ، لا يمكنه أن يكون كذلك في صلته مع الله. مغمر بالله بعد الإمتحان، سالم داوود وجده، و نال حكمة أكبر، و أتم تحققه.
    و هذه المحبة التي تمزق أحشاء الذين عاشوها، أُعرب عنها بهذه الأبيات في قصيدة لسيدي بومدين:

تملكتموا عقلي و طرفي و مسمعي      و روحي و أحشائي و كلي بأجمعي
و تيهتموني في بديع جمالكم             و لم أدر في بحر الهوى أين موضعي
و أوصيتموني لا أبوح بسركم           فباح بما أخفي نقيض أدمعي
و لما فنا صبري و قل تجلدي           و فارقني نومي و حُرِمت مضجعي
أتيت لقاضي الحب قلت أحبتي          جفوني و قالوا أنت في الحب مدعي
وعندي شهود للصبابة و الأسا           يزكون دعواي إذا جئت أدعي
سهادي و وجدي و اكتئابي و لوعتي    و شوقي و سقمي و اصفراري و أدمعي
و من عجب أني أحن إليهم               و أسأل شوقا عنهم و هم معي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق