الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

علاج النفس، الفصل السادس: الحالات الثلاث للنفس، التلقين من خلال طريق الوسطية


التلقين من خلال طريق الوسطية


    كيف يمكننا تطبيق هذا التلقين في الوسط الحالي، و في علاج نفس مناسب لإنسان اليوم؟

    لقد سبق و أن تكلمنا عن طريق الوسطية. في هذا الطريق الوسط، حسب رأيي، يجب أن يقيم، من يريد أن يقدم سلاما أكثر لنفسه و لكل من يقترب منه. لم يعد نمط عيشه و تصرفاته اتجاه الآخر، خاضع لسلوك مبالغ فيه و غير مستشعر، بل لموازنة صحيحة، و فطنة فيما يجب فعله و التفكير فيه. إنها طريق الحكمة التي لا يهمل فيها أي شيئ. 

    في أوقات النزاعات و الحروب، أي موقف يتخذه الشخص الموجود بالضبط في طريق الوسطية؟ سؤال حساس، إذ كل واحد منا، يعلم كم هو صعب على الإنسان، عدم التفاعل تحت تأثير الانفعال، حين يصاب بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالأحداث المأساوية. فمن جراء التأثير الفوري للحوادث في أحوالنا، و في مصيرنا الشخصي و الجماعي، نشعر أننا معنيون بما يصيب الأفراد و المجتمع. فما هو الموقف الواجب اتخاذه عند الصراع: نقف إلى جانب آباء يبكون فقدان أطفالهم؟ كيف يكون هذا الإختيار معقول، في حين تسبب الحروب ضحايا لدى الطرفين؟ غالبا ما يتفاعل الإنسان على نمط سيدنا موسى و الشريعة، أي المطالبة بتقرير العدالة و تطبيقها. مبدأ القصاص. و مع ذلك، كيف نتيقن من أن العقاب الذي سنفرضه على الشخص الذي ظلمنا، هو مساوي للعذاب الذي تعرضنا إليه؟ كيف نستطيع أن نرد "العين بالعين و السن بالسن"، في وقت أفقدنا فيه، الظلم كل معايير العدل؟

    يدعوا القرآن الكريم كل واحد منا، مع احترامه لحقوقنا في المطالبة بإصلاح الأضرار اللاحقة بالتساوي، إلى تجاوز المتناقضات التي يسببها الفهم و التطبيق الحرفي لقانون القصاص.
 "و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله. إنه لا يحب الظالمين". (الشورى، 40).
    
  يوجد أجر من يعفو و يدعو إلى الصلح، عند الله تعالى، لأن هذا الشخص تمكن من تجاوز آلامه، دون أن يفرض كمقابل آلام اخرى مماثلة. كما من حقه المطالبة بالقصاص، لكنه فضل العفو و الدعوة إلى الصلح. هذا عمل أهل التقدير، يبجل النفس الإنسانية و يرفع من شأنها، حيث يجعلها ترضى بابتلاءات الحياة، باحثة عن الجزاء الأكبر عند الله: المحبة و الرحمة. على كل حال، لا يستطيع أحد الفرار من الألم، لابد للإنسان أن يجرب الألم في وقت ما من أوقات حياته.الكل يشترك في الألم، سواء الأشخاص الذين يفرضونه على الغير أو الأشخاص الذين يعيشونه. فالألم لا ينسى أحدا، لا الملوك و لا البسطاء، كلّ يصاب به في وقت من الأوقات.
  
  تدعونا هذه الملاحظة إلى أن نتزود بالحذر في آرائنا، و نتحفظ من الأحكام المسبقة، التي تولد لدينا ردود فعل عاطفية، و مبالغ فيها. كما تعني هذه الملاحظة الكوارث الطبيعية التي تسبب خسائر مادية باهظة و مآسي إنسانية مرعبة. لاحظ علماء النبات في جزيرة لارينيون أن بعض الأشجار لا تثمر إلا بعد مرور إعصار. يعيش المواطنون الظاهرة كتجربة مخيفة. و رغم ذلك فهي ضرورية لأطوار التكاثر النباتي. فيجعلنا ذلك نتدبر، لأننا غالبا ما ننزعج بسرعة لفظاعة الدمار، دون أن نفكر فيما يحمله من إيجاب على مستوى أكبر و في المدى الطويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق