الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

علاج النفس، الفصل الثالث: التوحيد و طريق الوسط، فخ العالم المعياري

فخ العالم المعياري


    إن المجتمع الذي يتكون من قيم و مؤسسات، لا تشجع على تنمية نوعية العلاقات الإنسانية و الخصال النفسية، سيولد لا محالة شهوات مبالغ فيها، و مخاوف لا يمكن التحكم فيها. حتى يصبح العنف و الخوف و الغلو، بعد عهد قريب، الدليل الوحيد، الذي يحدد السلوك الإنساني في هذا المجتمع. سواء تعلق الأمر بالإشهار، أو بالتلفزيون، أو بالأفلام، أو بمختلف مظاهر التربية المعاصرة. كل هذه العوامل تسعى إلى تقوية هذه الظاهرة، و دفع الشباب إلى المزيد من المنافسة و الاستهلاك. لا تنمي فيهم هذه الأمور، إلا طعم المال و الشهرة، و الإفتتان بقيم فانية، تهدف إلى توحيد نمط العيش و الفكر، الذي يسبب لهم على المدى الطويل، إحباط كبير. هناك مهارة فائقة للمجتمعات المعاصرة، مدعمة بالعولمة الإقتصادية، للقيام بخدعة بسط، بدون حد، للحريات و الحقوق الفردية، في حين أنها تشيد نوعا جديدا من الإستعباد، ينخرط فيه المزيد من الأفراد يوما بعد يوم. فانعدام النموذج الإجتماعي البديل، يجعل المجتمعات تتبع معيارا موحدا و محددا و معقدا. 
 
    نشهد أحيانا، ظهور ردود فعل عنيفة، و فجائية ضد مؤسسات المجتمع و ممثليها، و أحيانا أخرى، أزمات هوية و روحية، كلها تشترك في رفض العالم. أصبح الفرد مقتنع أنه يعيش في عالم صراع و عدوان، و يشعر أنه غير مفهوم، و وحده ضد الجميع، من دون أن يتبيّن أن رغبته في التحرر من الواجبات المعيارية، هي نفسها مغذية بكل أنواع الخوف المصطنعة، و المحافظ عليها بكياسة، من طرف وسائل الإعلام الضخمة، و ممثلي  السلطة، و كذلك المنظمات الدولية. ينخدع بجهل، بتعددية حقائق هذا العالم الذي تدفعه إلى أن يعيش حياة جنونية و مبعثرة. يوحي تصرف مثل هذا أن هناك حالة يأس حقيقية، يعتقد الإنسان أنه يستطيع التخلص منها باللجوء إلى العنف. إن التمرد الوحيد و الحقيقي ضد الوضعية الحالية للإنسان، لا يمكن أن يمر، إلا بثورة صامتة و باطنية، تمكنه من التحرر من العوائق المعيارية، حيث يصير شاهدا و كفيلا على روح نبله، و لما على فتوة روحية. لقد وجد زمان كان الحكام يدعون فيه الشعوب إلى الثروة، و ربما سيأتي زمان يدعونهم فيه إلى مكارم الأخلاق.

    بواسطة إيقاظ الشعور، يمكن تحقيق هذا التحول الروحي على المستوى الشخصي و الجماعي، للتحرر من القبضة الهدامة للتعدية. إذا كنا نعيش فعلا في عالم تسوده تعددية اللغات و المعارف و الثروات، فلا يمنعنا ذلك من إعطاء معنى لوجودنا، إن تعلمنا من خلال التربية الروحية، كيفية العودة إلى مبدأ التوحيد. سيشاهد الإنسان الذي اجتهد طيلة تربيته على تغذية ضميره، بأن الكثرة لا تؤدي في الحقيقة، إلا إلى الواحد. ستة ملايير كائن يلخصون في كائن واحد: آدم. من هو آدم؟ هو نفسه. و ليست نفسه إلا هو. المبين.
    يؤدي بنا الفرار من الواقع، و إنكار الغير، بالضرورة نحو النضال في حزب أو الإنخراط في طائفة، أو إعتناق دين، أو الإنضمام إلى جماعة. دائما ما نقول "أنا ضد الجميع"، أو "أنا مع البعض و ضد البقية". ليست هذه المعارضة سوى وهما، سقط فيه الجميع، و أصبح يعتبره أمرا طبيعيا. رغم ذلك يجب أن نتذكر دائما تلك الرابطة اللطيفة التي تربط الكائنات ببعضها البعض. حتى و لو أن بعض اللقاءات تخفي مفاجآت دون فائدة. أما لو توجهنا بنظرة متأنية، نحو الروابط الباطنية لاستشعرنا، بأننا لسنا موجودين هنا بمحض الصدفة، بل و كأننا نعيش وقائع مقدرة من قبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق