الجمعة، 15 أكتوبر 2010

علاج النفس، الفصل الرابع: تربية الجوارح، الجنس و الزواج في الإسلام


الجنس و الزواج في الإسلام

    ليست الممارسة الجنسية بطابو في الإسلام، حتى و لو أن الوضع تغير اليوم  كثيرا في هذا المجال. بالعكس، هو فعل محمودا، إذا ما تمّ في الشفافية، و هو العنصر الذي يسمح باستمرار الحياة، و العامل الذي يقود إلى انسجام باطني كبير.
     ما هي تربية اليقظة في حياتنا الجنسية؟ هي أن نقوم أثناء الممارسة الجنسية، بتوريث كذلك حالة شعورنا. من هنا، يجب أن نميز بين الجنس الطبيعي التي يجلب المتعة فحسب، و الفعل الذي تستمر به الحياة. يذكرنا هذا  الفعل بأهمية و نبل الإقتران بين كائنين. من هذه الناحية، لا يتوقف الجماع عند الشهوة، و لكن يصبح القناة التي ينتقل عبرها الشعور من جيل إلى جيل. سيكسب الكائن الذي يتصور أثناء الجماع، حالة شعور خاصة، يرثها من أبويه. لو أن أثناء الجماع، جعلنا رغبة شديدة في إنجاب ولد صالح روحي، فإننا سنوفر له كل الحظوظ ليجيء إلى العالم، حاملا معه هذه الحالة من الوعي.
    فعلى المستوى الكوني، يجد الجماع حقيقته، بما أنه يعلن عن ديمومة الحياة. تتواجد النظرة الصوفية في الجنسانية عكس منظور المعصية الأولى، و إنما هي عمل محمود مضطلع به، و يُعدّ من علاقات الزوجين و المجتمع. و لعل الشيئ الذي يشترطه الإسلام هو الشفافية. فمؤسسة الزواج ليست سر مقدس، و لكن عقد بين كائنين، يمكن فسخه باتفاق مشترك، أو إذا لم يؤدي أحد الزوجين دوره. تشترط الشفافية عقدا مفسرا و مفصلا، له قيمة قضائية محقّقة، في الوقت الذي يقرر كلا الطرفين الإلتزام بالقاعدة. يمكن ملاحظة ذلك في عقود الزواج من القرنين الحادي عشر و الثاني عشر مكتوبة أحيانا في وثائق ضخمة، تحتوي غالبا، كل شروط العقد بين كائنين. و هكذا أروى زوجة المنصور، اشترطت على زوجها كتابا يتعهد فيه، بأن لا يتزوج إمرأة أخرى و لا يتخذ إماء ما دامت حية. ندم الخليفة على قراره و أراد إبطال العقد. و لكن زوجته رفعت قضيتها إلى قاضي قضاة مصر الذي حكم لصالحها، فقد قدمت له أروى في يده عقد الزواج الذي يحوي الشرط.
    بإمكاننا أن نتساءل عن المكانة التي كانت مخصصة للمحبة في هذا النوع من العقود. عموما نتزوج محبة و تعلقا. إن تأسيس الزواج على المشاعر الغرامية قد يكون مجرد وهم، لأن كل محبة فانية، إذا لم تحمل معها أسباب المحبة الروحية. يميز ابن عربي نوعين من المحبة، و هما الحب الطبيعي الذي يشترك فيه الإنسان مع غيره من الدواب و الحيوان، و الحب الروحي الذي يميزه عن الحيوان. و عليه يرى ابن عربي وجود ثلاثة أنواع من الحب لا أكثر: الحب الرباني، و الحب الروحي و الحب الطبيعي. فالحب الرباني هو حب الله تعالى لعبده، و قد يندرج ضمن هذا الباب حب العبد لربه. أما الحب الروحي فهو تسرع المحب لإرضاء محبوبه، دون أن تحول أي رغبة أو إرادة بين المحب و المحبوب، بل يكون المحب رهين إرادة المحبوب. أما الحب الطبيعي فهو الإستعجال إلى إشباع الشهوة، سواء كان فيها إرضاء المحبوب أو سخطه. و يضيف ابن عربي أن أكثر الناس اليوم رهائن هذا النوع الأخير من الحب.

    إذا خصصتم المحبة لشخص واحد فقط، قد تفقدون طعم الحياة بفقدان هذا الكائن. هذا الشيئ الأول. إذا ضيّعتم هذه المحبة هل يمكن أن تحبوا من جديد؟
    إن اعتبار الزواج نوع من أنواع العقود، يمنح للزوجين حرية أكبر للطلاق و إعادة الزواج. في السابق كان الناس يستطيعون إعادة تشييد حياتهم دون الإصطدام بالتقاليد، و لا التعرض لمأساة عائلية.
    هذه حالة سكينة، حفيدة الخليفة علي ابن أبي طالب، تزوجت على الأقل أربع مرات، حتى لو أن المصادر تختلف في ترتيب أزواجها و أسمائهم . كانت هذه المرأة ذات جمال فذ و صاحبة أناقة كبيرة، فإنها لم تتوان في فرض على طالب يدها، زيد ابن عمرو، شروطا عند عقد الزواج، تتزوجه بشرط، أن لا يطلقها من نفسه، و لا يتزوج إمرأة أخرى، و لا يرفض لها طلب، و يتركها تعيش أينما تريد، و لا يعارضها، و إلا يطلقها عند طلبها.
    للأسف يوجد اليوم تصور مختلف كلية في العالم الإسلامي عن الجنسانية و الطلاق. يعتبران عاملا فتنة، و هذه هي الفتنة الكبرى التي تكلمنا عنها من قبل. إذا علّمنا شخصا الإستماع، و الفهم، و الكلام، و التغذية، فيجب أيضا أن نعلمه، آداب الحياة الشعورية و الجنسية.
    فيما يتعلق الجنسانية، يبدو أن الإسلام أكثر واقعية اتجاه متطلبات الطبيعة البشرية. بمعرفته الجيدة لنفسية الكائن، أتاح هذا التقليد للإنسان، بأن يعتني بهذا الجانب من نفسه، في زمن كان  الأمر محظورا في بلاد الغرب. في الأزمنة الأولى للإسلام، لم يكن الحديث عن الجنس يسبب حرجا، و حرية كبيرة في التعبير كانت مسموحة في شأنه. في مؤلفه حول الزواج، المؤرخ في القرن الحادي عشر الميلادي، واجه الإمام الغزالي علانية هذه المسألة. كان يسرد دقائق الحياة الجنسية أمام الآلاف في المسجد، أما اليوم فمن المستحيل التكلم بحرية عن الموضوع بهذه الأماكن. انظروا كيف عكس الإنحطاط المعنى الحقيقي للأشياء. الإسلام هو الديانة الوحيدة التي صيغ بها نص، يشرح فيه للمؤمن بأن لا يحرج و لا يخجل عند الخوض في أي مسالة.
"لا إكراه في الدين". (الحج، 78).
    مادام الإنسان إنسانا، يبقى الفرْج جزءا من نفسه، و يجب عليه أن يعتني به كغيره من أعضاء جسمه. من المهم جدا للإنشراح الشخصي، أن يتحاور الوالدان و المجتمع مع البنت و الإبن عن الجنسانية، و المسؤولية التي تترتب عنها، والجمال و الإنسجام اللذين يوفرهما.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق